فصل: أصحاب صالح بن مسرح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الملل والنحل **


 المشبهة

اعلم أن السلف من أصحاب الحديث لما رأوا توغل المعتزلة في علم الكلام ومخالفة السنة التي عهدوها من الأئمة الراشدين ونصرهم‏:‏ جماعة من أمراء بني أمية على قولهم بالقدر وجماعة من خلفاء بني العباس على قولهم بنفي الصفات وخلق القرآن‏.‏

تحيروا في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في متشابهات‏:‏ آيات الكتاب الحكيم وأخبار النبي الأمين صلى الله عليه وسلم‏.‏

فأما أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصفهاني وجماعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث مثل‏:‏ مالك بن أنس ومقاتل إ بن سليمان وسلكوا طريق السلامة فقالوا‏:‏ نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم قطعاً أن الله عز وجل لا يشبه شيئاً من المخلوقات وأن كل ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقدوره‏.‏

وكانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية أن قالوا‏:‏ من حرك يده عند قراءة له تعالى‏:‏ ‏:‏ ‏"‏ خلقت بيدي ‏"‏ أو أشار بإصبعيه عند روايته‏:‏ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن‏.‏

وجب قطع يده وقلع إصبعيه‏.‏

وقالوا‏:‏ إنما توقفنا في تفسير الآيات وتأويلها لأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ المنع الوارد في التنزيل في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ‏"‏ فنحن نحترز عن الزيغ‏.‏

والثاني‏:‏ أن التأويل أمر مظنون بالاتفاق والقول في صفات الباري بالظن غير جائز فربما أولنا الآية على غير مراد الباري تعالى فوقعنا في الزيغ بل نقول كما قال الراسخون في العلم‏:‏ كل من عند ربنا‏:‏ آمنا بظاهره وصدقنا بباطنه ووكلنا علمه إلى الله تعالى ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك إذ ليس ذلك من شرائط الإيمان وأركانه‏.‏

واحتاط بعضهم أكثر احتياط حتى لم يقرأ‏:‏ اليد بالفارسية ولا الوجه ولا الاستواء ولا ما ورد من جنس ذلك‏.‏

بل إن احتاج في ذكرها إلى عبارة عبر عنها بما ورد‏:‏ لفظا بلفظ‏.‏

فهذا هو طريق السلامة وليس هو من التشبيه في شيء‏.‏

غير أن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه مثل‏:‏ الهشاميين من الشيعة ومثل‏:‏ مضر وكهمس وجهم الهخيمي وغيرهم من الحشوية قالوا‏:‏ معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض‏:‏ إما روحانية وأما جسمانية‏.‏

ويجوز عليه‏:‏ الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن‏.‏

فأما مشبهة الشيعة فستأتي مقالاتهم في باب المغالاة‏.‏

وأما مشبهة الحشوية فحكى الأشعري عن محمد بن عيسى أنه حكى عن‏:‏ مضر وكهمس وأحمد الهجيمي‏:‏ أنهم أجازوا على ربهم‏:‏ الملامسة والمصافحة وأن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا ز الآخرة إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حد الإخلاص والاتحاد المحض‏.‏

وحكى الكعبي عن بعضهم‏:‏ أنه كان يجوز الرؤية في دار الدنيا وأن يزوروه ويزورهم‏.‏

وحكى عن داود الجواربي أنه قال‏:‏ اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك‏.‏

وقال‏:‏ إن معبوده‏:‏ جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء من‏:‏ يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين ومع ذلك‏:‏ جسم لا كالأجسام ولحم لا كاللحوم ودم لا كالدماء وكذلك سائر الصفات وهو‏:‏ لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء‏.‏

وحكى عنه أنه قال‏:‏ هو‏:‏ أجوف من أعلاه إلى صدره مصمت ما سوى ذلك وأن له وفرة سوداء وله شعر قطط‏.‏

وأما ما ورد في التنزيل من‏:‏ اللإستواء والوجه واليدين والجنب والمجيء والإتيان والفوقية‏.‏

وغير ذلك فأجروها على ظاهرها أعني ما يفهم عند الإطلاق على الأجسام‏.‏

وكذلك ما ورد في الأخبار من الصورة وغيرها في قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ خلق آدم على صورة الرحمن ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ وضع يده أو كفه على كتفي ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ حتى وجدت برد أنامله على كتفي ‏"‏‏.‏

إلى غير ذلك‏.‏

اجروها على ما يتعارف في صفات الأجسام‏.‏

وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إلى النبي عليه السلام وأكثرها مقتبسة من اليهود فإن التشبيه فيهم طباع حتى قالوا‏:‏ اشتكت عيناه فعادته الملائكة وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه وإن العرش ليئط من تحته كأطيط الحل الجديد وإنه ليفضل من كل جانب أربع أصابع‏.‏

وروى المشبهة عن النبي عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏"‏ لقيني ربي فصافحني وكافحني ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله ‏"‏‏.‏

وزادوا على التشبيه قولهم في القرآن‏:‏ إن الحروف والأصوات والرقوم المكتوبة قديمة أزلية وقالوا‏:‏ لا يعقل كلام بحروف ولا كلم واستدلوا بأخبار منها ما رووا عن النبي عليه السلام‏:‏ ينادي الله تعالى يوم القيامة بصوت يسمعه الأولون والآخرون ورووا‏:‏ أن موسى عليه السلام كان يسمع كلام الله كجر السلاسل‏.‏

قالوا‏:‏ وأجمعت السلف على أن القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال هو مخلوق فهو كافر بالله ولا نعرف من القرآن إلا ما هو بين أظهرنا فنبصره ونسمعه ونقرؤه ونكتبه‏.‏

والمخالفون في ذلك‏:‏ أما المعتزلة فوافقونا على أن هذا الذي في أيدينا كلام الله وخالفونا في القدم وهم محجوجون بإجماع الأمة‏.‏

وأما الأشعرية فوافقونا على أن القرآن قديم وخالفونا في أن الذي في أيدينا كلام الله وهم محجوجون أيضاً بإجماع الأمة‏:‏ أن المشار غليه هو كلام الله‏.‏

فأما إثبات كلام هو صفة قائمة بذات الباري تعالى‏:‏ لا نبصرها ولا نكتبها ولا نقرؤها ولا نسمعها فهو مخالفة الإجماع من كل وجه‏.‏

فنحن نعتقد‏:‏ أن ما بين الدفتين كلام الله أنزله على لسان جبريل عليه السلام فهو‏:‏ المكتوب في المصاحف وهو المكتوب في اللوح المحفوظ وهو الذي يسمعه المؤمنون في الجنة من الباري تعالى بغير حجاب ولا واسطة وذلك معنى قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ سلام قولاً من رب رحيم ‏"‏ وهو قوله تعالى لموسى عليه السلام‏:‏ ‏"‏ يا موسى إني أنا الله رب العالمين ‏"‏ ومناجاته من غير واسطة حتى قال تعالى‏:‏ ‏"‏ وكلم الله موسى تكليما ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ‏"‏‏.‏

وروى عن النبي علليه السلام أنه قال‏:‏ ‏"‏ إن الله تعالى كتب التوراة بيده وخلق جنة عدن بيده وخلق آدم بيده ‏"‏‏.‏

وفي التنزيل‏:‏ وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء‏.‏

قالوا‏:‏ فنحن لا نريد من أنفسنا شيئاً ولا نتدارك بعقولنا أمراً لم يتعرض له السلف قالوا‏:‏ ما بين الدفتين كلام لله قلنا‏:‏ هو كذلك واستشهدوا عليه بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ‏"‏ ومن المعلوم‏:‏ أنه ما سمع إلا هذا الذي نقرؤه‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ إنا أنزلناه في ليلة القدر ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ‏"‏‏.‏

إلى غير ذلك من الآيات‏.‏

ومن المشبهة من مال إلى مذهب الحلولية وقال‏:‏ يجوز أن يظهر الباري تعالى بصورة شخص كما كان جبريل عليه السلام ينزل في صورة أعرابي وقد تمثل لمريم بشراً سوياً وعليه حمل قول النبي عليه السلام ‏"‏ رأيت ربي في أحسن صورة ‏"‏‏.‏

وفي التوراة عن موسى عليه السلام‏:‏ شافهت الله تعالى فقال لي‏:‏ كذا‏.‏

والغلاة من الشيعة مذهبهم الحلول‏.‏

ثم الحلول‏:‏ قد يكون بجزء وقد يكون بكل على ما سيأتي في تفصيل مذاهبهم إن شاء الله تعالى‏.‏

 الكرامية

أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام وإنما عددناه من الصفاتية لأنه كان ممن يثبت الصفات غلا أنه ينتهي فيها إلى التجسيم والتشبيه‏.‏

وقد ذكرنا‏:‏ كيفية خروجه وانتسابه إلى أهل السنة فيما قدمناه ذكره‏.‏

وهم طوائف بلغ عددهم إلى اثنتي عشرة فرقة وأصولها ستة‏:‏ العابدية والتونية والزرينية والإسحاقية والواحدية وأقربهم‏:‏ الهيصمية‏.‏

ولكل واحدة منهم رأي إلا أنه لما يصدر ذلك من علماء معتبرين بل عن سفهاء أغتام جاهلين لم نفردها مذهباً وأوردنا مذهب صاحب نص أبو عبد الله على أن معبوده على العرش استقراراً وعلى أنه بجهة فوق ذاتاً‏.‏

وأطلق عليه اسم الجوهر فقال في كتابه المسمى عذاب القبر‏:‏ إنه إحدى الذات إحدى الجوهر وغناه مماس للعرش من الصفحة العليا‏.‏

وجوز‏:‏ وقال بعضهم‏:‏ امتلأ العرش به‏.‏

وصار المتأخر ون منهم‏:‏ إلى أنه تعالى بجهة فوق وأنه محاذ للعرش‏.‏

ثم اختلفوا‏:‏ فقالت العابدية‏:‏ إن بينه وبين العرش من البعد والمسافة لو قدر مشغولا بالجواهر لاتصلت به‏.‏

وقال محمد بن الهيصم‏:‏ إن ابنه وبين العرش بعداً لا يتناهى وإنه مباين للعالم بينوية أزلية‏.‏

ونفى التحيز والمحاذاة وأثبت الفوقية والمباينة‏.‏

وأطلق أكثرهم لفظ الجسم عليه‏.‏

والمقاربون منهم قالوا‏:‏ نعني بكونه جسماً‏:‏ أنه قائم بذاته وهذا هو حد الجسم عندهم‏.‏

وبنوا على هذا أن من حكم القائلين بأنفسهما‏:‏ أن يكونا متجاورين أو متباينين فقضى بعضهم بالتجاور مع العرش وحكم بعضهم بالتباين‏.‏

وربما قالوا‏:‏ كل موجودين فإما أن يكون أحدهما بحيث الآخر كالعرض مع الجوهر وإما أن يكون بجهة منه والباري تعالى ليس بعرض إذ هو قائم بنفسه فيجب أن يكون بجهة من العالم ثم أعلى الجهات وأشرفها جهة فوق فقلنا هو بجهة فوق الذات حتى إذا رئي رئي من تلك الجهة ثم لهم اختلافات في النهاية فمن المجسمة من أثبت النهاية له من ست جهات ومنهم من أثبت النهاية له من جهة تحت ومنهم من أنكر النهاية له فقال‏:‏ هو عظيم‏.‏

ولهم في معنى العظمة خلاف والعرش تحته وهو فوق كله على الوجه الذي هو فوق جزء منه وقال بعضهم‏:‏ معنى عظمته أنه يلاقي مع وحدته من جهة واحدة أكثر من واحد وهو يلاقي جميع أجزاء العرش وهو العلي العظيم‏.‏

ومن مذهبهم جميعاً‏:‏ جواز قيام كثير من الحوادث بذات الباري تعالى‏.‏

ومن أصلهم‏:‏ أن ما يحدث في ذاته فإنما يحدث بقدرته وما يحدث مبايناً لذاته فغنما يحدث بقدرته من الأقوال والإرادات ويعنون بالمحدث‏:‏ ما باين ذاته من الجواهر والأعراض‏.‏

ويفرقون بين الخلق والمخلوق والإيجاد والموجود والموجد وكذلك بين الإعدام والمعدوم‏:‏ فالمخلوق‏:‏ إنما يصير معدوماً بالإعدام الواقع في ذاته بالقدرة‏.‏

وزعموا‏:‏ أن في ذاته سبحانه حوادث كثيرة مثل‏:‏ الإخبار عن الأمور الماضية والآتية والكتب المنزلة على الرسل عليهم السلام والقصص والوعد والوعيد والأحكام ز من ذلك المسمعات والمبصرات فيما يجوز أن يسمع ويبصر‏.‏

والإيجاد والإعدام‏:‏ هو القول بالإرادة وذلك قوله‏:‏ كن للشيء الذي يريد كونه‏.‏

وإرادته لوجود ذلك الشيء وقوله للشيء كن صورتان‏:‏ وفشر محمد بن الهيصم الإيجاد والإعدام‏:‏ بالإرادة والإيثار قال‏:‏ وذلك مشروط بالقول شرعاً إذ ورد في التنزيل‏:‏ ‏"‏ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له‏:‏ كن فيكون ‏"‏‏.‏

وعلى قول الأكثرين منهم‏:‏ الخلق عبارة عن القول والإرادة‏.‏

ثم اختلفوا في التفصيل‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ لكل موجود إيجاد ولكل معدوم إعدام‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إيجاد واحد يصلح لموجودين إذا كانا من جنس واحد وإذا اختلف الجنس تعدد الإيجاد‏.‏

وألزم بعضهم‏:‏ لو افتقر كل موجود أو كل جنس إلى إيجاد فليفتقر كل إيجاد إلى قدرة فالتزم تعدد القدرة بتعدد الإيجاد‏.‏

وقال بعضهم أيضاً‏:‏ تتعدد القدرة بعدد أجناس المحدثات وأكثرهم على أنها تتعدد بعدد أجناس الحوادث التي تحدث في ذاته من‏:‏ الكاف والنون والإرادة والسمع والتبصر‏.‏

ومنهم من أثبت لله تعالى السمع والبصر أزلاً والتسمعات والتبصرات هي إضافة المدركات إليهما‏.‏

وقد أثبتوا لله تعالى مشيئة قديمة متعلقة بأصول المحدثات وبالحوادث التي تحدث في ذاته وأثبتوا إرادات حادثة تتعلق بتفاصيل الحدثات‏.‏

وأجمعوا على أن الحوادث لا توجب لله تعالى وصفاً ولا هي صفات له فتحدث في ذاته هذه لحوادث من‏:‏ الأقوال والإرادات والتسمعات والتبصرات ولا يصير بها‏:‏ قائلاً ولا مريداً ولا سميعاً ولا بصيراً ولا يصير بخلق هذه الحوادث‏:‏ محدثاً ولا خالقاً‏.‏

وإنما هو‏:‏ قائل بقائليته وخالق بخالقيته ومريد بمريديته وذلك قدرته على هذه الأشياء‏.‏

ومن أصلهم‏:‏ أن الحوادث التي يحدثها في ذاته واجبة البقاء حتى يستحيل عدمها إذ لو جاز عليها العدم لتعاقبت على ذاته الحوادث ولشارك الجوهر في هذه القضية أيضاً فلو قدر عدمها فلا يخلو‏:‏ إما أن يقدر عدمها بالقدرة أو بإعدام يخلقه في ذاته‏.‏

ولا يجوز أن يكون عدمها بالقدرة لأنه يؤدي إلى ثبوت المعدوم في ذاته وشرط الموجود والمعدوم أن يكونا مباينين لذاته ولو جاز وقوع معدوم في ذاته بالقدرة من غير واسطة إعدام لجاز حصول سائر المعلومات بلا قدرة‏.‏

ثم يجب طرد ذلك في الموجد حتى يجوز وقوع موجد محدث في ذاته وذلك محال عندهم ولو فرض عدا معا بالإعدام لجاز تقدير عدم ذلك الإعدام فيتسلسل فارتكبوا في ثاني حال ثبوت الإحداث بلا فصل ولا اثر للإحداث في حال بقائه‏.‏

ومن أصلهم‏:‏ أن ما يحدث في ذاته من الأمر فمنقسم إلى ك أمر التكوين وهو فعل التكليف ونهى التكليف وهي أفعال من حيث دلت على القدرة ولا يقع تحتها مفعولات‏.‏

هذا هو تفصيل مذاهبهم في محل الحوادث‏.‏

وقد اجتهد ابن الهيصم في إرمام مقالة أبي عبد الله في كل مسالة حتى ردها من المحال الفاحش إلى نوع يفهم فينا بين العقلاء‏:‏ مثل التجسيم فإنه قال‏:‏ أراد بالجسم‏:‏ القائم بالذات‏.‏

ومثل الفوقية فإنه حملها على العون وأثبت البينوية غير المتناهية وذلك الخلاء الذي أثبته بعض الفلاسفة‏.‏

ومثل الاستواء فإنه‏:‏ نفى المجاورة والمماسة والتمكن بالذات‏.‏

غير مسألة محل الحوادث فإنها لم تقبل الرمة فالتزمها كما ذكرنا وهي من أشنع المحالات عقلاً‏.‏

وعند القوم‏:‏ أن الحوادث تزيد على عدد المحدثات بكثير فيكون في ذاته أكثر من عدد المحدثات عوالم من الحوادث وذلك محال شنيع‏.‏

ومما أجمعوا عليه من إثبات الصفات قولهم‏:‏ الباري تعالى‏:‏ عالم بعلم قادر بقدرة حي بحياة شاء بمشيئة وجميع هذه الصفات‏:‏ صفات قديمة أزلية قائمة بذاته‏.‏

وربما زادوا السمع والبصر كما أثبته الأشعري‏.‏

وربما زادوا الوجه واليدين‏:‏ صفات قديمة قائمة به وقالوا‏:‏ له يد لا كالأيدي ووجه لا كالوجوه‏.‏

وأثبتوا جواز رؤيته من جهة فوق دون سائر الجهات‏.‏

وزعم ابن الهيصم‏:‏ أن الذي أطلقه المشبهة على الله عز وجل من الهيئة والصورة والجوف والاستدارة والوفرة والمصافحة والمعانقة ونحو ذلك‏.‏

لا يشبه سائر ما أطلقه الكرامية من ‏:‏ أنه خلق آدم بيده وأنه استوى على عرشه وأنه يجيء يوم القيامة لمحاسبة الخلق‏.‏

وذلك أنا لا نعتقد من ذلك شيئاً على معنى فاسد‏:‏ من جارحتين وعضوين تفسيراً لليدين ولا مطابقة للمكان واستقلال العرش بالرحمن تفسيراً للاستواء ولا تردداً في الأماكن التي تحيط به تفسيراً للمجيء وإنما ذهبنا في ذلك على إطلاق ما أطلقه القرآن فقط من غير تكييف وتشبيه وما لم يرد به القرآن والخبر فلا نطلقه كما أطلقه سائر المشبهة والمجسمة‏.‏

وقال الباري تعالى عالم في الأزل بما سيكون على الوجه الذي يكون وشاء لتنفيذ علمه في معلوماته فلا ينقلب علمه جهلاً ومريد لما يخلق في الوقت الذي يخلق بإرادة حادثة وقائل لكل ما يحدث بقوله كن حتى يحدث وهو الفرق بين الإحداث والمحدث والخلق والمخلوق‏.‏

وقال‏:‏ نحن نثبت القدر خيره وشره من الله تعالى وأنه‏:‏ أراد الكائنات كلها خيرها وشرها وخلق الموجودات كلها حسنها وقبيحها‏.‏

في إثبات فائدة زائدة على كونه مفعولاً مخلوقاً للباري تعالى تلك الفائدة هي مورد التكليف والمورد هو المقابل بالثواب والعقاب‏.‏

واتفقوا على أن العقل يحسن ويقبح قبل الشرع وتجب معرفة الله تعالى بالعقل كما قالت المعتزلة إلا أنهم لم يثبتوا رعية الصلح ة الأصلح واللطف عقلاً كما قالت المعتزلة‏.‏

وقالوا‏:‏ الإيمان هو الإقرار باللسان فقط دون التصديق بالقلب‏.‏

ودون سائر الأعمال‏.‏

وفرقوا بين تسمية المؤمن مؤمناً فيما يرجع إلى أحكام الظاهر والتكليف وفيما يرجع إلى أحكام الآخرة والجزاء فالمنافق عندهم‏:‏ مؤمن في الدنيا على الحقيقة مستحق للعقاب الأبدي في الآخرة‏.‏

وقالوا في الإمامة‏:‏ إنها تثبت بإجماع الأمة دون النص والتعيين كما قال أهل السنة‏.‏

إلا أنهم جوزوا عقد البيعة لإمامين في قطرين وغرضهم‏:‏ إثبات إمامة معاوية في الشام باتفاق جماعة من أصحابه وإثبات أمير المؤمنين علي بالمدينة والعراقيين باتفاق جماعة من أصحابه‏.‏

ورأوا تصويب معاوية فيما استبد به من الأحكام الشرعية‏:‏ قتالاً على طلب قتله عثمان رضي الله عنه واستقلالاً ببيت المال‏.‏

ومذهبهم الأصلي اتهام علي رضي الله عنه في الصبر على ما جرى مع عثمان رضي الله عنه والسكوت عنه وذلك‏:‏ عرق نزع‏.‏

 الباب الرابع الخوارج

الخوارج والمرجئة والوعيدية‏:‏ كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى‏:‏ خارجياً سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان‏.‏

والمرجئة‏:‏ صف آخر تكلموا في الإيمان والعمل إلا أنهم وافقوا الخوارج في بعض المسائل التي تتعلق بالإمامة‏.‏

والوعيدية‏:‏ داخلة في الخوارج وهم القائلون‏:‏ بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار فذكرنا مذاهبهم في أثناء مذاهب الخوارج‏.‏

اعلم أن أول من خرج على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه جماعة ممن كان معه في حرب صفين وأشدهم خروجاً عليه ومروقاً من الدين‏:‏ الأشعث ابن قيس الكندي ومسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي حين قالوا‏:‏ القوم يدعوننا إلى كتاب الله وأنت تدعونا إلى السيف‏.‏

حتى قال‏:‏ أنا أعلم بما في كتاب الله‏!‏ انفروا إلى بقية الأحزاب‏!‏ انفروا إلى من يقول‏:‏ كذب الله ورسوله وأنتم تقولوا‏:‏ صدق الله ورسوله قالوا‏:‏ لترجعن الأشتر عن قتال المسلمين وإلا فعلنا بك مثل ما فعلنا بعثمان فاضطر إلى رد الأشتر بعد أن هزم الجمع وولوا مدبرين وما بقي منهم إلا شرذمة قليلة فيها حشاشة قوة فامتثل الأشتر أمره‏.‏

وكان من أمر الحكمين‏:‏ أن الخوارج حملوه على التحكيم أولاً وكان يريد أن يبعث عبد الله بن عباس رضي الله عنه فما رضي الخوارج بذلك وقالوا هو منك وحملوه على بعث أبو موسى الأشعري على أن يحكم بكتاب الله تعالى فجرى الأمر على خلاف ما رضي به فلما لم يرض بذلك خرجت الخوارج عليه وقالوا‏:‏ لم حكمت الرجال‏!‏ لا حكم غلا لله‏.‏

وهم المارقون الذين اجتمعوا بالنهر وان‏.‏

وكبار الفرق منهم‏:‏ المحكمة والأزارقة والنجدات والبهسية والعجاردة والثعالبة والإباضية والصفرية والباقون فروعهم‏.‏

ويجمعهم‏:‏ القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما ويقدمون ذلك على كل طاعة ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك ويكفرون أصحاب الكبائر ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة‏:‏ حقاً واجباً‏.‏

هم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حين جرى أمر المحكمين واجتمعوا بحروراء من ناحية الكوفة ورأسهم‏:‏ عبد الله بن الكواء وعتاب بن الأعور وعبد الله بن وهب الراسي وعروة بن جرير ويزيد ابن عاصم المحاربي وحرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية‏.‏

وكانوا يومئذ في اثني عشر ألف رجل أهل صلاة وصيام أعني يوم النهر وان‏.‏

وفيهم قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ تحقر صلاة أحدكم في جنب صلاتهم وصوم أحدكم في جنب صيامهم ولكن لا يجاوز إيمانهم ترقيهم‏.‏

فهم‏:‏ المارقة الذين قال فيهم‏:‏ سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم يمرقون على الدين كما يمرق السهم من الرمية‏.‏

وهم الذين أولهم‏:‏ ذو الخويصرة وآخرهم‏:‏ ذو الثدية‏.‏

وإنما خروجهم في الزمن الأول على أمرين‏:‏ أحدهما بدعتهم في الإمامة إذ جوزوا أن تكون الإمامة في غير قريش وكل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل واجتناب الجور‏:‏ كان إماماً ومن خرج عليه يجب نصب القتال معه وإن غير السيرة‏.‏

وجوزوا أن لا يكون في العالم إماماً أصلاً وإن احتيج إليه فيجوز أن يكون‏:‏ عبداً أو حراً أو نبطياً أو قرشياً‏.‏

والبدعة الثانية‏:‏ أنهم قالوا‏:‏ أخطأ علي في التحكيم إذ حكم الرجال ولا حكم إلا بالله‏.‏

وقد كذبوا على علي رضي الله عنه من وجهين‏:‏ أحدهما في التحكيم أنه حكم الرجال وليس ذلك صدقاً لأنهم هم الذين حملوه على التحكيم‏.‏

والثاني‏:‏ أن تحكيم الرجال جائز فإن القوم هم الحاكمون في هذه المسألة وهم رجال ولهذا قال علي رضي الله عنه‏:‏ كلمة حق أريد بها باطل‏.‏

وتخطوا عن هذه التخطئة إلى التكفير ولعنوا علياً رضي الله عنه فيما قاتل‏:‏ الناكثين والقاسطين والمارقين‏:‏ فقاتل الناكثين واغتنم أموالهم وما سبى ذراريهم ونساؤهم وقتل مقاتلة من القاسطين وما اغتنم ولا سبى‏.‏

ثم رضي بالتحكيم وقاتل مقاتلة المارقين واغتنم أموالهم وسبى ذراريهم‏.‏

وطعنوا في عثمان رضي الله عنه للأحداث التي عدوها عليه‏.‏

وطعنوا في أصحاب الجمل وأصحاب صفين‏.‏

فقاتلهم علي رضي الله عنه بالنهروان مقاتلة شديدة فما افلت منهم إلا أقل من عشرة وما قتل من السلمين إلا أقل من عشرة فانهزم اثنان منهم إلى عمان واثنان إلى كرمان واثنان إلى سجستان واثنان إلى الجزيرة وواحد إلى تل مورون باليمن‏.‏

وظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع منهم وبقيت إلى اليوم‏.‏

أول من بويع من الخوارج بالإمامة‏:‏ عبد الله بن وهب الراسي في منزل زيد بن حصين بايعه‏:‏ عبد الله بن الكواء وعروة بن جرير ويزيد ابن عاصم المحاربي وجماعة معهم‏.‏

وكان يمتنع عليهم تحرجاً ويستقبلهم ويومئ إلى غيره تحرزاً فلم يقنعوا فلا به وكان يوصف برأي ونجدة فتبرأ من الحكمين وممن رضي بقولهما وصوب أمرهما‏.‏

وأكفروا أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه وقالوا‏:‏ إنه ترك حكم الله وحكم الرجال‏.‏

وقيل‏:‏ إن أول من تلفظ بهذا رجل من بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم يقال له‏:‏ الحجاج بن عبيد الله يلقب بالبرك وهو الذي ضرب معاوية على إليته لما سمع بذكر الحكمين وقال‏:‏ أتحكم في دين الله لا حكم إلا لله فلنحكم بما حكم الله في القرآن به فسمعها رجل فقال‏:‏ طعن والله فأنفذ‏!‏ فسموا‏:‏ المحكمة بذلك‏.‏

ولما سمع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه هذه الكلمة قال كلمة عدل أريد بها جور إنما يقولون لا إمارة ولابد من إمارة بر أو فاجر‏.‏

ويقال‏:‏ إن أول سيف سل من سيوف الخوارج سيف‏:‏ عروة بن أذينة وذلك أنه أقبل على الأشعث ابن قيس فقال‏:‏ ما هذه الدنية يا أشعث وما هذا التحكيم أشرط أحدكم أوثق من شرط الله تعالى‏!‏ ثم شهر السيف والأشعث مولي فضرب به عجز البغلة فشبت البغلة فنفرت اليمانية فلما رأى ذلك الأحنف‏:‏ مشى هو وأصحابه إلى الأشعث فسألوه الصفح ففعل‏.‏

وعروة بن أذينة نجا بعد ذلك من حرب النهران وبقي إلى أيام معاوية ثم أتى إلى زياد بن أبيه ومعه مولى له فسأله زياد عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال فيهما خيراً وسأله عن عثمان فقال‏:‏ كنت أوالي عثمان على أحواله في خلافته ست سنين ثم تبرأت منه بعد ذلك للأحداث التي أحدثها وشهد عليه بالكفر وسأله عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فقال‏:‏ كنت أتولاه إلى أن حكم الحكمين ثم تبرأت منه بعد ذلك وشهد عليه بالكفر وسأله عن معاوية فسبه سباً قبيحاً ثم سأله عن نفسه فقال‏:‏ أولك لريبة وآخرك لدعوة وأنت فيما بينهما عاص ربك فأمر زياد بضرب عنقه‏.‏

ثم دعا مولاه فقال له‏:‏ صف لي أمره واصدقن فقال‏:‏ أأطنب أم أختصر فقال‏:‏ بل اختصر فقال‏:‏ ما أتيته بطعام في نهار قط ولا فرشت له فراشاً بليل قط‏.‏

هذه معاملته واجتهاده وذلك خبثه واعتقاده‏.‏

 الأزارقة

أصحاب أبي رشد نافع بن الأزرق الذين خرجوا مع نافع من الصرة إلى الأهواز فغلبوا عليها وعلى كورها وما وراءها من بلدان‏:‏ فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير وقتلوا عماله فيها بهذه النواحي‏.‏

وكان مع نافع من أمراء الخوارج‏:‏ عطية بن الأسود الحنفي وعبد الله بن ماخون وأخواه عثمان والزبير وعمر ابن عمير العنبري وقطري بن الفجاءة المازني وعبيدة بن هلال اليشكري وأخوه محرز بن هلال وصخر بن حبيب التيمي وصالح بن مخراق العبدي وعبد ربه الكبير وعبد ربه الصغير‏.‏

في زهاء ثلاثين ألف فارس ممن يرى رأيهم وينخرط في سلكهم‏.‏

فأنفذ إليهم عبد الله بن الحرث بن نوفل النوفلي بصاحب جيشه‏:‏ مسلم بن عبيس بن كريز ابن حبيب فقتله الخوارج وهزموا أصحابه‏.‏

فأخرج إليهم أيضاً عثمان بن عبد الله ابن معمر التميميح فهزموه‏.‏

فأخرج إليهم حارثة بن بدر العتابي في جيش كثيف فهزموه وخشي أهل البصرة على أنفسهم وبلدهم من الخوارج‏.‏

فأخرج إليهم المهلب بن أبي صفرة فبقي في حرب الأزارقة تسع عشرة سنة إلى أن فرغ من أمرهم في أيام الحجاج ومات نافع قبل وقائع المهلب مع الأزارقة وبايعوا بعده قطري بن الفجاءة المازنين وسموه‏:‏ أمير المؤمنين‏.‏

وبدع الأزارقة ثمانية‏:‏

إحداهما‏:‏ أنه أكفر علياً رضي الله عنه وقال‏:‏ إن الله أنزل في شأنه‏:‏ ‏"‏ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ‏"‏ وصوب‏:‏ عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله وقال‏:‏ إن الله تعالى أنزل في شأنه‏:‏ ‏"‏ ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ‏"‏‏.‏

وقال عمران بن حطان وهو ك مفتي الخوارج وزاهدها وشاعرها الأكبر في ضربة ابن ملجم لعنه الله لعلي رضي الله عنه‏:‏ يا ضربة من منيب ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يوماً فأحسبه أفى البرية عند الله ميزانا وعلى هذه البدعة مضت الأزارقة وزادوا عليه تكفير‏:‏ عثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم وسائر المسلمين معهم وتخليدهم في النار جميعاً‏.‏

والثانية‏:‏ أنه أكفر القعدة وهو أول من أظهر البراءة من القعدة عن القتال وإن كان موافقاً له على دينه وأكفر من لم يهاجر غليه‏.‏

والثالثة‏:‏ إباحته قتل الأطفال المخالفين والنسوان منهم‏.‏

والرابعة‏:‏ إسقاطه الرجم عن الزاني إذ ليس في القرآن ذكره وإسقاطه حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء‏.‏

والخامسة‏:‏ حكمه بأن أطفال المشركين في النار مع آبائهم‏.‏

والسادسة‏:‏ أن التقية غير جائزة في قول ولا عمل‏.‏

والسابعة‏:‏ تجويزه أن يبعث الله تعالى نبياً يعلم أنه يكفر بعد نبوته أو كان كافراً قبل البعثة‏.‏

والكبائر والصغائر‏:‏ إذا كانت بمثابة عنده فهي كفر‏.‏

والثامنة‏:‏ اجتمعت الأزارقة على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة خرج به عن الإسلام جملة ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار واستدلوا بكفر إبليس وقالوا‏:‏ ما ارتكب إلا كبيرة حيث أمر بالسجود لآدم عليه السلام فامتنع وإلا فهو عارف بوحدانية الله تعالى‏.‏

 أصحاب نجدة بن عامر الحنفي

وقيل‏:‏ عاصم وكان من شأنه أنه خرج مع اليمامة مع عسكره يريد اللحوق بالأزارقة فاستقبله‏:‏ أبو فديك وعطية ابن الأسود الحنفي في الطائفة الذين خالفوا نافع بن الأزرق فأخبروه بما أحدثه نافع من الخلاف‏:‏ بتكفير العقدة عنه وسائر الأحداث والبدع وبايعوا نجدة وسموه أمير المؤمنين‏.‏

ثم اختلفوا على نجدة فأكفره قوم منهم لأمور نقموها عليه منها أنه بعث ابنه مع جيش إلى أهل القطيف فقتلوا رجالهم وسبوا نساءهم وقو موها على أنفسهم وقالوا‏:‏ إن صارت قيمتهن في حصصنا فذلك وإلا رددنا الفضل ونكحوهن قبل القسمة وأكلوا من الغنيمة قبل القسمة‏.‏

فلما رجعوا إلى نجدة وأخبروه بذلك قال‏:‏ لم يسعمك ما فعلتم قالوا‏:‏ لم نعلم أن ذلك لا يسعنا فعذرهم بجهالتهم‏.‏

واتلف أصحابه بذلك فمنهم من وافقه وعذر بالجهالات في الحكم الاجتهادي وقالوا‏:‏ الدين أمران‏:‏ أحدهما‏:‏ معرفة الله تعالى ومعرفة رسله عليهم السلام وتحريم دماء المسلمين يعنون موافقيهم والإقرار بما جاء من عند الله جملة‏.‏

فهذا واجب على الجميع والجهل به لا يعذر فيه‏.‏

والثاني‏:‏ ما سوى ذلك‏:‏ فالناس معذورون فيه‏.‏

إلى أن تقوم عليهم الحجة في الحلال والحرام‏.‏

قالوا‏:‏ ومن جوز العذاب على المجتهد المخطىء في الأحكام قبل قيام الحجة عليه فهو كافر واستحل نجدة بن عامر دماء أهل العبد والذمة وأموالهم في حال التقية وحكم بالبراءة ممن حرمها‏.‏

قال‏:‏ وأصحاب الحدود من موافقيه لعل الله تعالى يعفو عنهم ومن نظر نظرة أو كذب كذبة صغيرة أو كبيرة أصر عليها فهو مشرك ومن زنى وشرب وسرق غير مصر عليه فهو غير مشرك وغلظ على الناس في حد الخمر تغليظا شديداً‏.‏

ولما كاتب عبد الملك بن مروان وأعطاه الرضى‏:‏ نقم عليه أصحابه فيه فاستتابوه فأظهر التوبة فتركوا النقمة عليه والتعرض له‏.‏

وندمت طائفة على هذه الاستتابة وقالوا‏:‏ أخطأنا وما كان لنا أن نستتيب الإمام وما كان له أن يتوب باستتابتنا إياه‏:‏ أخطأنا من ذلك وأظهروه الخطأ وقالوا له‏:‏ تب من توبتك وإلا نابذناك فتاب من توبته‏.‏

وفارقه‏:‏ أبو فديك وعطية ووثب عليه أبو فديك فقتله‏.‏

ثم برئ أبو فديك وعطية من أبي فديك انفذ مروان بن عبد الملك‏:‏ عمرو بن عبيد الله بن معمر من التميمي مع جيش إلى حرب أبي فديك فحاربه أياماً فقتله ولحق عطية بأرض سجستان ويقال لأصحابه‏:‏ الطوية ومن أصحابه‏:‏ عبد الكريم بن عجرد زعيم العجاردة‏.‏

وإنما قيل للنجدات‏:‏ العاذرية لأنهم عذروا بالجهلات في أحكام الفروع‏.‏

وحكى الكعبي عن النجدات‏:‏ أن التقية جائزة في القول والعمل كله وإن كان في قتل النفوس‏.‏

قال‏:‏ وأجمعت النجدات على أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم فإن هم ثم افترقوا بعد نجدة إلى‏:‏ عطوية وفديكية وبرئ كل واحد منهما عن صاحبه بعد قتل نجدة وصارت الدار لأبي فديك إلا من تولى نجدة‏.‏

وأهل سجستان وخراسان وكرمان وقهستان من الخوارج على مذهب عطية‏.‏

وقيل‏:‏ كان نجدة بن عامر ونافع بن الأزرق قد اجتمعا بمكة مع الخوارج على ابن الزبير ثم تفرقا عنه‏.‏

واختلف نافع ونجدة‏:‏ فصار نافع إلى البصرة ونجدة إلى اليمامة‏.‏

وكان سبب اختلافهما أن نافعاً قال‏:‏ التقية لا تحل والقعود عن القتال كفر واحتج بقول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله ‏"‏ وبقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ يقاتلون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ‏"‏‏.‏

وخالفه نجدة وقال‏:‏ التقية جائزة واحتج بقول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إلا أن تتقوا منهم تقاة ‏"‏ وبقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ‏"‏‏:‏ وقال‏:‏ القعود جائز والجهاد إذا أمكنه أفضل قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً ‏"‏‏.‏

وقال نافع‏:‏ هذا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين كانوا مقهورين وأما في غيرهم مع الإمكان فالقعود كفر لقول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وقعد الذين كذبوا الله ورسوله ‏"‏‏.‏

 البيهسية

أصحاب أبي بيهس الهيصم بن جابر وهو أحد بني سعد بن ضبيعة وقد كان الحجاج طلبه أيام الوليد فهرب إلى المدينة فطلبه فيها عثمان بن حيان المزني فظفر به وحبسه وكان يسامره إلى أن ورد كتاب الوليد بأن يقطع يديه ورجليه ثم يقتله ففعل به ذلك‏.‏

وكفر أبو بهس‏:‏ إبراهيم وميمون في اختلافهما في بيع الأمة وكذلك كفر الواقفية‏.‏

وزعم‏:‏ أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله تعالى ومعرفة رسله ومعرفة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والولاية لأولياء الله تعالى والبراءة من أعداء الله‏.‏

فمن جملة ما ورد به الشرع وحكم به‏:‏ ما حرم الله وجاء به الوعيد فلا يسعه إلا‏:‏ معرفته بعينه وتفسيره والاحتراز عنه‏.‏

ومنه ما ينبغي أن يعرف باسمه ولا يضره ألا يعرفه بتفسيره حتى يبتلي ويجب أن يقف عندما لا يعلم ولا يأتي بشيء إلا بعلم‏.‏

وبرئ أبو بهس عن الواقفية لقولهم‏:‏ إنا نقف فيمن واقف الحرام وهو لا يعلم أحلالاً واقع أم حراماً قال‏:‏ كان من حقه أن يعلم ذلك والإيمان‏:‏ هو أن يعلم كل حق وباطل وإن الإيمان هو العلم بالقلب دون القول والعمل‏.‏

ويحكى عنه أنه قال‏:‏ الإيمان‏:‏ هو الإقرار والعلم وليس هو أحد الأمرين دون الآخر‏.‏

وعامة البيهسية على أن العلم والإقرار والعمل كله إيمان وذهب قوم منهم إلى أنه لا يحرم سوى ما ورد في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قل لا أجد فيما أوحى إلى محرماً على طاعم يطعمه‏.‏

الآية ‏"‏ وما سوى ذلك ومن البيهسية قوم يقال لهم‏:‏ العونية وهم فرقتان‏:‏ فرقة تقول‏:‏ من رجع من دار الهجرة إلى القعود برئنا منه وفرقة تقول‏:‏ بل نتولاهم لأنهم رجعوا إلى أمر كان حلالاً لهم‏.‏

والفرقتان اجتمعتا على أن الإمام إذا كفر كفرت الرعية‏:‏ الغائب منهم والشاهد‏.‏

ومن البيهسية صنف يقال لهم‏:‏ أصحاب التفسير زعموا‏:‏ أن من شهد من المسلمين شهادة أخذ‏:‏ بتفسيرها وكيفيتها‏.‏

وصنف يقال لهم‏:‏ أصحاب السؤال‏:‏ قالوا‏:‏ إن الرجل يكون مسلماً‏:‏ إذا شهد الشهادتين وتبرأ وتولى وآمن بما جاء من عند الله جملة وإن لم يعم فيسأل ما افترض الله عليه ولا يضره أن لا يعلم حتى يبتلي به فيسأل وإن واقع حراماً لم يعلم تحريمه فقد كفر وقالوا في الأطفال بقول الثعلبية‏:‏ إن أطفال المؤمنين مؤمنون وأطفال الكافرين كافرون‏.‏

ووافقوا القدرية في القدر وقالوا‏:‏ إن الله تعالى فوض إلى العباد فليس لله في أعمال العباد مشيئة‏.‏

فبرئت منهم عامة البيهسية‏.‏

وقال بعض البيهسية‏:‏ إن واقع الرجل حراما لم يحكم بكفره حتى يرفع أمره إلى الإمام الوالي ويحده وكل ما ليس فيه حد فهو مغفور‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إن السكر إذا كان من شراب حلال فلا يؤاخذ صاحبه بما قال فيه وفعل‏.‏

وقالت العونية‏:‏ السكر كفر ولا يشهدون أنه كفر ما لم ينضم إليه كبيرة أخرى‏:‏ من ترك الصلاة أو قذف المحصن‏.‏

 أصحاب صالح بن مسرح

ولم يبلغنا عنه أنه أحدث قولاً تميز به عن أصحابه فخرج على بشر بن مروان فبعث إليه بشر الحارث بن عميرة أو الأشعث بن عميرة الهمذاني أنفذه الحجاج لقتاله فأصابت صالحا جراحة في قصر جلولاء

فاستخلف مكانه شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني المكنى بأبي الصحارى وهو الذي غلب على الكوفة وقتل من جيش الحجاج أربعة وعشرين أميراً كلهم أمراء الجيوش ثم انهزم إلى الأهواز وغرق في نهر الأهواز وهو يقول‏:‏ ذلك تقدير العزيز العليم‏.‏

وذكر اليمان‏:‏ أن الشبيبية يسمون‏:‏ مرجئة الخوارج لما ذهبوا إليه من الوقف في أمر صالح‏.‏

ويحكى عنه‏:‏ أنه برئ منه وفارقه ثم خرج يدعي الإمامة لنفسه‏.‏

ومذهب شبيب ما ذكرناه‏.‏

من مذاهب البيهسية إلا أن شوكته وقوته ومقاماته مع المخالفين‏.‏

مما لم يكن لخارج من الخوارج‏.‏

وقصته مذكورة في التواريخ‏.‏

 العجاردة

أصحاب عبد الكريم بن عجرد‏.‏

وافق النجدات في بدعهم وقيل‏:‏ إنه كان من أصحاب أبي بيهس ثم خالفه وتفرد بقوله‏:‏ تجب البراءة عن الطفل حتى يدعى إلى الإسلام ويجب دعاؤه إذا بلغ وأطفال المشركين في النار مع آبائهم ولا يرى المال فيئاً حتى يقتل صاحبه وهم يتولون القعدة إذا عرفوهم بالديانة ويرون الهجرة فضيلة لا فريضة ويكفرون بالكبائر ويحكى عنهم‏:‏ أنهم ينكرون كون سورة يوسف من القرآن ويزعمون أنها قصة من القصص قالوا‏:‏ ولا يجوز أن تكون قصة العشق من القرآن‏.‏

ثم إن العجاردة‏:‏ افترقوا أصنافاً ولكل صنف مذهب على حياله إلا أنهم لما كانوا من جملة العجاردة أوردناهم على حكم التفصيل بالجدول والضلع وهم‏:‏ الصلتية‏:‏ أصحاب عثمان بن أبي الصلت والصلت بن أبي الصلت‏.‏

تفردوا عن العجاردة بأن الرجل إذا أسلم توليناه وتبرأنا من أطفاله حتى يدركوا فيقبلوا الإسلام‏.‏

ويحكى عن جماعة منهم‏:‏ أنهم قالوا‏:‏ ليس لأطفال المشركين والمسلمين ولاية ولا عداوة حتى يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا أو ينكروا‏.‏

الميمونية

أصحاب ميمون بن خالد‏.‏

كان من جملة العجاردة إلا أنه تفرد عنهم‏:‏ بإثبات القدر خيره وشره من العبد‏.‏

وإثبات الفعل للعبد‏:‏ خلقاً وإبداعاً‏.‏

وإثبات الاستطاعة قبل الفعل‏.‏

والقول بأن الله تعالى يريد الخير دون الشر وليس له مشيئة في معاصي العباد‏.‏

وذكر الحسين الكرابيسي في كتابه الذي حكى فيه مقالات الخوارج‏:‏ أن الميمونية يجيزون نكاح بنات البنات وبنات أولاد الاخوة والأخوات وقالوا‏:‏ إن الله تعالى حرم نكاح البنات وبنات الاخوة والأخوات ولم يحرم نكاح بنات أولاد هؤلاء‏.‏

وحكى الكعبي والأشعري عن الميمونية إنكارها كون سورة يوسف من القرآن‏.‏

وقالوا بوجوب قتال السلطان وحده ومن رضي بحكمه فأما من أنكره فلا يجوز قتاله‏:‏ إلا إذا أعان عليه أو طعن في دين الخوارج أو صار دليلاً للسلطان وأطفال الحمزية‏:‏ أصحاب‏:‏ حمزة بن أدرك‏.‏

وافقوا الميمونية في القدر وفي سائر‏:‏ بدعها‏.‏

إلا في أطفال مخالفيهم والمشركين فإنهم قالوا‏:‏ هؤلاء كلهم في النار‏.‏

وكان حمزة من أصحاب الحسين بن الرقاد الذي خرج بسجستان من أهل أوق وخالفه خلف الخارجي في القول بالقدر واستحقاق الرئاسة فبرئ كل واحد منهما عن صاحبه‏.‏

وجوز حمزة إمامين في عصر واحد ما لم تجتمع الكلمة ولم تقهر الأعداء‏.‏

 الخلفية

أصحاب خلف الخارجي وهم من خوارج كرمان ومكران‏.‏

خالفوا الحمزية في القول بالقدر وأضافوا القدر خيره وشره إلى الله تعالى وسلكوا في ذلك مذهب أهل السنة وقالوا‏:‏ الحمزية ناقضوا حيث قالوا‏:‏ لو عذب الله العباد على أفعال قدرها عليهم أو على ما لم يفعلوه كان ظالماً‏.‏

وقضوا بأن أطفال المشركين في النار ولا عمل لهم ولا ترك‏.‏

وهذا من أعجب ما يعتقد من التناقض‏!‏

 الأطرافية

فرقة على مذهب حمزة في القول بالقدر‏.‏

غلا أنهم عذروا أصحاب الأطراف في ترك ما لم يعرفوه من الشريعة إذا أتوا بما يعرف لزومه من طريق العقل‏.‏

وأثبتوا واجبات عقلية كما قالت القدرية‏.‏

ورئيسهم‏:‏ غالب بن شاذك من سجستان‏.‏

وخالفهم عبد الله السديورى وتبرأ منهم‏.‏

 الشعيبية

أصحاب شعيب بن محمد وكان مع ميمون من جملة العجاردة غلا أنه برئ منه حين أظهر القول بالقدر‏.‏

قال شعيب‏:‏ إن الله تعالى خالق أعمال العباد‏.‏

والعبد‏:‏ مكتسب لها‏:‏ قدرة وإرادة مسئول عنها‏:‏ خيراً وشراً مجازى عليها‏:‏ ثواباً وعقاباً‏.‏

ولا يكون شئ في الوجود إلا بمشيئة الله تعالى‏.‏

وهو‏:‏ على بدع الخوارج في الإمامة والوعيد وعلى بدع العجاردة في‏:‏ حكم الأطفال وحكم القعدة ة الولي والتبري‏.‏

 الحازمية

أصحاب حازم بن علي‏.‏

أخذوا بقول شعيب في أن الله تعالى خالق أعمال العباد ولا يكون في سلطانه إلا ما يشاء‏.‏

وقالوا بالموافاة وأن الله تعالى‏:‏ إنما يتولى العباد على ما علم أنهم صائرون إليه في آخر أمرهم من الإيمان ويتبرأ منهم على ما علم أنهم صائرون إليه في آخر أمرهم من الكفر‏.‏

وأنه سبحانه لم يزل محباً لأوليائه مبغضاً لأعدائه‏.‏

ويحكى عنهم أنهم يتوقفون في أمر علي رضي الله عنه ولا يصرحون بالبراءة عنه‏.‏

ويصرحون بالبراءة في حق غيره‏.‏

 الثعالبة

أصحاب ثعلبة بن عامر‏.‏

كان مع عبد الكريم بن عجرد يداً واحدة إلى أن اختلفا في أمر الأطفال فقال ثعلبة‏:‏ إنا على ولايتهم‏:‏ صغاراً وكباراً حتى نرى منهم إنكاراً للحق ورضاً بالجور‏.‏

فتبرأت العجاردة من ثعلبة‏.‏

ونقل عنه أيضاً أنه قال‏:‏ ليس له حكم في حال الطفولة من ولاية وعداوة حتى يدركوا ويدعوا فإن قبلوا فذاكن وإن أنكروا كفروا‏.‏

وكان يرى‏:‏ أخذ الزكاة من عبيدهم إذا استغنوا وإعطاءهم منها إذا افتقروا‏.‏

الأخنسية‏:‏ أصحاب‏:‏ أخنس بن قيس‏.‏

من جملة الثعالبة‏.‏

وانفرد عنهم بأن قال‏:‏ أتوقف في جميع من كان في دار التقية من أهل القبلة إلا من عرف منه إيمان فأتولاه عليه أو كفر فتبرأ منه‏.‏

وحرموا الاغتيال والقتل والسرقة في السر‏.‏

ولا يبدأ أحد من أهل القبلة بالقتال حتى يدعي إلى الدين فإن امتنع قوتل سور من عرفوه بعينه على خلاف قولهم‏.‏

وقيل إنهم جوزوا‏:‏ تزويج المسلمات من مشركي قومهم‏:‏ أصحاب الكبائر‏.‏

وهم على أصول الخوارج في سائر المسائل‏.‏

 المعبدية

أصحاب معبد بن عبد الرحمن كان من جملة الثعالبة‏.‏

خالف الأخنس في الخطأ الذي وقع له تزويج المسلمات من مشرك‏.‏

وخالف ثعلبة فيما حكم من أخذ الزكاة من عبيدهم وقال‏:‏ غني لا أبرأ منه بذلك ولا ادع اجتهادي في خلافه‏.‏

وجوزوا أن تصير سهام الصدقة سهماً واحداً وفي حال التقية‏.‏

 الرشيدية

أصحاب رشيد الطوسي ويقال لهم العشرية‏.‏

وأصلهم‏:‏ أن الثعالبة كانوا يوجبون فيما سقى بالأنهار والقنى نصف العشر فأخبرهم زياد بن عبد الرحمن‏:‏ أن فيه العشر ولا تجوز البراءة ممن قال‏:‏ فيه نصف العشر قبل هذا‏.‏

فقال‏:‏ رشيد إن لم تجز البرءة منهم فإنا نعمل بما عملوا فافترقوا في ذلك فرقتين‏.‏

 الشيبانية

أصحاب شيبان بن سلمة‏.‏

الخارج في أيام أبي مسلم وهو المعين له ولعلي بن الكرماني على نصر بن سيار وكان من الثعالبة فلما أعانهما برئت منه الخوارج‏.‏

فلما قتل شيبان ذكر قوم توبته فقالت الثعالبة‏:‏ لا تصح توبته لأنه قتل الموافقين لنا في المذهب وأخذ أموالهم ولا تقبل توبة من‏:‏ قتل مسلماً وأخذ ماله إلا بأن يقتص من نفسه ويرد الأموال أو يوهب له ذلك‏.‏

ومن مذهب شيبان‏:‏ أنه قال بالجبر ووافق جهم بن صفوان في مذهبه إلى الجبر ونفى القدرة الحادثة‏.‏

وينقل عن زياد ابن عبد الرحمن الشيباني أبي خالد‏:‏ أنه قال‏:‏ إن الله تعالى لم يعلم حتى خلق لنفسه علماً وأن الأشياء إنما تصير معلومة له عند حدوثها ووجودها‏.‏

ونقل عنه أنه تبرأ من شيبان وأكفره حين نصر الرجلين‏.‏

فوقعت عامة الشيبانية‏:‏ بجرحان ونسا وأرمينية‏.‏

والذي تولى شيبان وقال بتوبته‏:‏ عطية الجرجاني وأصحابه‏.‏